نقد الظواهر الأسلوبية في التراث العربي

إنّ طبيعة النصوص والظواهر التي يقاربها الناقد قد تحكمه من جهة مادّتها وأصولها، على أنّ الناقد الحصيف لا يركن للمعطيات الظاهرة أو الناجزة، ولا يقع في أسرها، فذلك يمنح النصّ أو الظاهرة سلطةً على العقل، فيدور في فلك مغلق، ويعيد الأفكار ذاتها، في حين أننا ننتظر أنّ يكون للعقل سلطان في تقليب الأمور عرضًا واختيارًا وترتيبًا، وهو أضعف السلطان، أو تفتيقًا وإبداعًا وتوسيعًا، وذلك أقواه، والعلوم والمعارف لا تتقدّم إلا إذا كان النقد من الضرب الثاني؛ حينئذٍ لا يقف النقد عند حدود الوصف والتعليل والحُكم فحسب؛ إذ يغدو وسيلةً لإنتاج المعارف والعلوم، كما كانت النقاشات اللغوية عند القدماء أسوارًا لنقد الشعر، وكان النقد طريقًا إلى تحديد وجوه الإعجاز، وكان البحث في الإعجاز سبيلًا إلى نشأة البلاغة على سبيل المثال. توجد في تراثنا الفكريّ اللغويّ والبلاغيّ والنقديّ ظواهر مهمّة، ونظرًا لأهميّتها أولاها العلماء والباحثون عناية كبرى، فكانت مجال بحث وأخذ وردّ، وكان منها ما دخل ساحة البلاغة الناشئة عند السكّاكيّ والقزوينيّ بوصفها محصّلة الفنون وحصاد اللغويين والنقاد والمتكلّمين، ومنها ما لم يدخل؛ لأنها كانت مشغولة في حقول أخرى في عصر تمايز الحقول إبّان القرن السابع الهجريّ حين رُسمت حدود البلاغة وتمايزت علومها في المرحلة العلميّة التعليميّة من عمرها.