مظاهر التجريب في رواية الجبل الصغير لإلياس خوري

يتنزّل هذا البحث ضمن الدراسات التي تُعنى بقراءة رواية التجريب. ويحدوه طموح الكشف عن الأسباب التي جعلت الكتّاب والنقاد يقبلون عليها إقبالا غير مسبوق، حوّلها سريعا إلى "حدث ثقافي"، منذ أن لاحت تباشيرها في أعقاب العام السابع والستين من القرن الماضي. وتتمثل مقاصد هذا البحث في الوقوف على النواحي الجمالية كغاية أساسيّة ثمّ الدلالات الناشئة عنها. وننطلق من فرضيّة مفادها أنّ المكوّن الجمالي لرواية التجريب قائم في جوانبها البنيويّة. فهي ليست جنسا قائما بذاته، إذ لم تنفصل عن الجنس العام الذي ولد ضمنه أي الرواية، ولكنّ الناظر إليها، تعتريه دهشة حين يكتشف في متنها اختلافات تكاد تكون جذريّة عن التراث الروائي العربي، وهجوما مستمرا على نمط الكتابة الذي يوصف بـ"التقليدي". فقد استُبدل هذا الموروث الروائي بنمط آخر متحرّر من الضوابط المعياريّة التي اعتبرت ثوابت في التأليف وفي النقد لسنوات طويلة. ذلك أنّ كتّاب الرواية التجريبيّة رفضوا الاستمرار في نهج الكتابة القديم، واعتبروا أنّ جوهر العمليّة الإبداعيّة يكمن في البحث عن أشكال جديدة. فالقالب الجاهز لا يمكن أن يساعد المبدع على الخلق لأنّه يفرض عليه بصفة مسبقة محاكاة نماذج محنّطة لا تستجيب لتطلّعاته الراهنة