أبو تمام الطائي ورؤيته الفنية

كانت الرغبة في تهيئ هذا الكتاب لقراءة شعر أبي تمام والوقوف على الانسجام في رؤيته الشعرية التي تحقق الانفعال المرتجى بما يصل إليه المتذوق من قدرته على النفاذ إلى جواهر تجاربه الشعرية وتقديمها كما هي في أثوابها الأسلوبية والبلاغية والتي تؤكد قدرته على التصوير البليغ و تؤكد قدرة إنتاجه الشعري على إحداث ذلك الانفعال الشعري في الجماهير الأدبية التي بقدر ما تتسع مداركها ومعارفها تصل إلى عبقرية أبي تمام الطائي الأدبية الخالدة ،وهو الشيء الذي أردته بالرؤية الشعرية منطلقا من أن الشاعر اعتبر منذ القديم وصافا في حالة انجذاف تصوفي لذلك الذي لا يراه غيره،ومما لا شك فيه فإن الذي لا ينكر هو العلاقة العضوية بين هذه الرؤية والتوجه العام للدولة العباسية التي شجعت على طلب العلم وبالغت في العناية بأهله ، كما عنوا عناية خاصة بالترجمة و المترجمين فلم يكن بدعا ،والأمر كذلك،أن يكون أبو تمام منذ بداياته مسرفا في طلب العلم،مولعا بتحصيل المعرفة كما قال عاصم الجندي ،ورأسا في الشعر مبتدئا مذهبا سلكه الشعراء بعده كما قال أبو بكر الصولي.ولعل ذلك مما يشد الدارس إلى التأمل في هذا التيار الذي سماه الدكتور أحمد هيكل التيار المحافظ الجديد الذي مثل التوازن بين البنيتين الفوقية والتحتية في الحضارة العباسية على عهد أبي تمام الطائي الذي وظف قدراته في التناغم مع حركات رجالها كما تشهد قصائده الشعرية الخالدة.