أدب المجانين من خلال عقلاء المجانين

إنّ الفضاء بمختلف تلاوينه يرجّع صدى صوت الجنون وقرع عصا الحلّ والتّرحال الّتي ما إن يلقيها لتستقرّ به النوى حتّى تعنّ له رحلة أخرى للامتلاء؛ فيشدّها على كاهل منه ذلول مرحّل وهو السّيّاح. إنّه تشخيص للمجنون المتبدّد في المكان والزّمان، فيبرز انطلاقا من "هنا والآن" مكان آخر وزمان ماض متعدّدان. ولعلّ أشدّ الأماكن بعدا ووحشة هي تلك الّتي تجعل المجنون يتراءى بعيدا هناك .. حيث يُرى .. . إنّها حضارة غير قائمة على قواعدها بل بفضل هوامشها. إنّه أساس يتعلّق بإغلاقٍ؛ إنّها أرضيّة اكتسبت بفعل بصريّ غريب سمات خطّ الحدود.... لقد مكّنتنا هذه القراءة من التّنكّب عن المعنى الّذي تجري سياقاته إلى هدف أرأسَ تمثّل في كسر التّابوهات واختراق الممنوعات والإباق عن الطّاعات. وقد كان النّموذج السّلطويّ بكلّ ما يتفرّع عنه من الحالات السّلطويّة هو الّذي نال أوفر حظّ من المناكفة والمناوأة في سياق سيرورة التّفكيك والاستبدال الّتي شبّ على إرسائها أدب المجانين في المدوّنة. وقد طالعنا الجنون بوجهه المشرق البهيّ لا المظلم البئيس. وهو وجه يتراءى به المجنون شاهدا مندّدا ساخرا، لا استطرافا ولا طلبا للشّهرة بقدر ما بدا كالقابض على الجمر في زمن تراجع العقل أمام اللّاعقل؛ وهو الّذي جنّ بدلا عنّا لينثر صوته الحكمة ويعرّي تواطؤ العقل. وقد أُخرج مُخرج الطّرافة والفضل فكشف وجها جديدا للإبداع قادرا دوما على الإمتاع والإدهاش.