الحجّاج بن يوسف الثقفي وخطبه الوعظية

أكثر الباحثين إذا اهتموا بالخُطَب السياسية في العصر الأموي أعاروا خطب زياد بن أبيه (ت 673م) أو خطب الحجّاج (ت 714م) السياسية اهتمامهم بصفة عامة. وإذا اهتموا بالخطب الدينية اختاروا شخصية عمر بن عبد العزيز (ت 720م)؛ إذ كان "أخطب الخلفاء في هذا الباب" . وإذا عُنوا بالخطبة الوعظية اشرأبّوا إلى من اشتهر بها من مثل الحسن البصري (ت728م)، وواصل بن عطاء (ت748م)، ومالك بن دينار (ت 127ه/130ه) وغيرهم. لكنه من الطريف أن الحجّاج بن يوسف الثقفي رغم كونه معروفا بين الناس بالشدة والعنف والسطوة كان له جانب آخر ديني لايزال غيرَ مكشوف بشكل لافت. كما أن له قدرةً فائقة على إحداث التأثير من خلال خطبه الوعظية تماما كمثل إحداث التأثير بخطبه السياسية. من أجل ذلك كله، وقع الاختيار على خطبه الوعظية في هذا الكتاب ودُرست في ضوء نظرية أدبية نقدية جديدة، ألا وهي نظرية الاتصال الأدبي التي لا تزال نظرية بكرا، خرجت في حيزالوجود من نظرية التلقي الآيزرية عام 2013م. والسبب الرئيس في اختيار هذه النظرية يرجع إلى شموليتها؛ فإنها لا تأخذ في عين الاعتبار النص فحسب، بل تأخذ في حسبانها المبدع والمتلقي جميعا أيضا. فبين دفتي هذا الكتاب سيجد القارئ نكهة النص القديم وروحية الدين الحنيف بالإضافة إلى علمية العصر الحديث كل ذلك في موضع واحد.