البحث اللغوي بين محمد إسعاف النشاشيبي وإسحاق موسى الحسيني

اهتمم العرب بالبحث اللغوي منذ القرن الثاني الهجري، فكانت قضية اللحن في اللغة باعثًا لهم للولوج في علوم اللغة وتدارسها، والبحث فيها والتنقيب عنها، وبلغ العرب القدماء في بحثهم اللغوي شأوًا بعيدًا، وفي ظل تقدم الدراسات اللغوية الحديثة، بمناهجها وأساليبها العديدة، ظهر الدارسون بألوية مختلفة، فمنهم من حمل لواء الأصالة وولج مَوْلِجَ الأصوليين، فتشبثوا بالتراث اللغوي، وآمنوا أنه الطريق إلى السُّمو، وبه تكون الرٍّيادة في اللغة ومن خلاله. هذا وسارت ثلّة أخرى في مسار آخر، حملت به لواء المعاصرة؛ معاصرة اللغة بما يتناسب والتّغيّر الحياتي، وقد رفعت شعار التجديد، والرقي باللغة بعيدًا عن الحشو والتعقيد، والعمل على مواكبة العصر ومعايشته فلكل عصر عصريته، وبذلك فإنّ التغيير مقصد واضح يجب الغوص فيه. وممن سار في هذين المنهجين علمان من أعلام اللغة في فلسطين، وهما محمد إسعاف النشاشيبي وإسحاق موسى الحسيني، وهما فلسطينيان مقدسيان، كرس كل منهما جهده خدمة للعربية، على الرّغمِ من اختلافهما في طريقة عرضهما للمادة اللغوية، فقد حمل النشاشيبي لواء الأصالة واعتزّ بالقديم، وأدرك أهميّة بلوغ مبلغ الأصوليين، وقد كافح ونافح في سبيل هذا الأمر، وأثّر هذا في توجيهه نحو الأدب القديم. مقابل ذلك سار الحسيني في طريق المعاصرة، ودعا إلى تطوير اللغة والبعد بها عن التعقيد وقد تبنى فكرة تجديد اللغة؛ حتى تجاري الحضارة وروح العصر.