المنزلة التأملية للمخيلة لدى كنط

يعيد هذا الكتاب النظر في منزلة المخيلة من منظور تأملي يراهن على تجاوز المنظور التوسيطي الذي يختزل دور المخيلة في رتق الفتق بين العقل والحواس. فالمخيلة كما استحضرتها النقديات الكنطية وبخاصة منها الأول والثالث ليست مجرد ملكة من الملكات بل قدرة أصلانية ذات طبيعة خنثية تؤهلها للتصالب مع العقل حينا ومع الحواس حينا آخر. وإذا كانت سمة الملكات هي الاشتغال في اليقظة والانقطاع عند النوم فإن المخيلة كما تتبدى في النقديات الكنطية تشكل أصل اليقظة وأصل النوم فهي لا تأخذها سنة ولا نوم بل على نشاطها سرعة وبطءا تتوقف المراوحة بين النوم واليقظة. وعلى هذا الأساس تشكل المخيلة أيضا أصلا للزمن الذي يزمن ولا يتزمن، وهي أيضا التي تؤمن كل التأليفات المنتجة والتكريرية في فعاليتي المعرفة والتفكير. وبهذه المستطاعات تنكشف المخيلة قدرة على الإحضار والتغييب. ففي حالة الانسجام تستحضر المخيلة كل الصور المطابقة لها أما في حالة التنافر فإن المخيلة تحول دون حضور الصور المطابقة لها. إن ما تضطلع به المخيلة من فعاليات تأليفية وما تتميز من لعب حر وقدرة على الطفو يرفعها من قائمة الملكات المختصة إلى منزلة تأملية تبدو فيها أصلا لكل الملكات. وبهذه الطبيعة الأصلانية يمكن للمخيلة أن تتهوى وجوديا مع الكينونة لتصير ماهية الإنسان. ومن ثم يمكن القول إن الإنسان مخيلة بالمعنى التأملي للكلمة وهو تعريف لا يلغي العقل بل يؤصله.